الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009

نعم لصاحب القلب الكبير والأقرب إلى الضعفاء من شعبه

بقلم عبد المجيد الجمني
رئيس تحرير مجلة "الوفاق العربي"

يكفي أن يعود المرء إلى خطب الرئيس زين العابدين بن علي أو إلى الحوارات التي يدلي بها لعدد من المنابر العالمية لتتشكل لدينا مكونات الرؤية التي كانت وراء تقدّم تونس وتطوّرها، و نعثر على مفاتيح القراءة الصّائبة لمنجزها فضلا عن اكتشاف أسس المقاربة المعتمدة في تّعاطي سيادته مع الشّأن الوطني والدّولي ممّا يعطي صورة متكاملة وواضحة الأبعاد لحركة التّغيير ومسار التّطوير والإصلاح والتّحديث الذي تعيشه تونس في ظلّ قيادته.

ورغم ما يتكشف إلينا من عناصر و خلفيات و أبعاد فانه يبقى علينا تحديد ما نعتبره "سرّ الأسرار" والذي يشكّل من وجهة نظرنا المدخل الأساس للمسك بمفتاح نجاح بن علي في صياغة مقاربة للنّهوض الشّامل، وتجربة نجحت في تحقيق ما فشل آخرون في تحقيقه رغم فارق الإمكانات الماديّة والديموغرافية بينهم وبين تونس.

لقد لفت المراقبون والمحلّلون، ولأمس قريب، الانتباه إلى المنزع الإستشرافي والإستباقي الذي يطبع سياسة الرئيس بن علي، وتوقّفوا أيضا عند نظرته الشّاملة في التّعاطي مع الواقع والوقائع، وأشادوا بحكمته في اعتبار التّلازم بين البُعديْن الاقتصادي والاجتماعي آليّة كلّ إصلاح اقتصادي ورقيّ اجتماعي منشود، واعتبروا إضفاء البعد السياسي على قيمة التضامن عنوان وجوهر نظرته الإنسانية للعمليّة السياسية والتنموية على حدّ سواء، ولكن لا أحد حاول الإجابة أو البحث عن خلفيّة هذه الرّؤى الفكرية والسياسية التي أثبتت نجاعتها ومصداقيّتها وصوابها على أرض الواقع.

ونكاد نجزم أننا جميعا اكتفينا باستخلاص أنّ مردّ سلامة المنهج والمقاربة يعودان إلى العقل السياسي المتميّز للرئيس بن علي وقدرته على استيعاب التطلّعات ومن ثمّة ترجمتها لاحقا إلى واقع ملموس، هذا إلى جانب قدرته على توفير حزام الأمان لكلّ خطوة إصلاحيّة يخطوها، ولكلّ هدف يرسمه للارتقاء بأوضاع التّونسيّين في شتّى المجالات.

هكذا، كنّا نرى أنّ سياسة بن علي تقوم على استنفار العقل تحريكا للتاريخ، ولكنّ سيادته كشف في واحد من حواراته عن "أمّ" الحقائق وسرّ الأسرار، وهي أنّ رجاحة العقل وصواب الرّؤية تستمدّان ألقهما من قلب كبير، قلب عدّل ساعة خفقانه ونبضه على إيقاع قلوب جميع التونسيّين وتحديدا الأضعف حالا منهم.

لقد كشف رئيس الدولة في ذاك الحوار، أنّه لا يكتفي بالإنصات إلى أبناء شعبه ولا يقتصر على ما يصله من تقارير لمعرفة أوضاع التّونسيّين وإنّما يخرج للإطّلاع على أحوالهم مباشرة بعيدا عن مراسم البروتوكول والحراسة الشّخصيّة، ويتولّى تسجيل ملاحظاته بنفسه في دفتره الخاص ليسارع في الغد إلى متابعة كلّ ما دوّنه في زياراته الميدانية توجيها وتنفيذا.

ولا شكّ أنّ مثل هذه الممارسة تكشف لنا سرّ تلك الحرارة التي تطبع قرارات الرئيس بن علي ومجمل ما يتّخذه من إجراءات، وتُبيّن أيضا خلفيّة مدى ارتباطها بالواقع وقطعها مع الإنشائيّة التي كثيرا ما تسم خطابات السّياسيّين في كثير من بلدان العالم.

هكذا ندرك أن بن علي يعيش الهمّّ اليومي لشعبه وينزل بنفسه إلى شرائحه الأضعف مقدّما بذلك النموذج الأمثل لأداء سياسي فاعل يُلغي ما قد تضعه البيروقراطية من حواجز ويقلّص المسافة بين القيادة والمجتمع ليجعل من المعاينة المباشرة البوصلة والدليل تأمينا لرفاه الجميع وللحقّ في حياة كريمة.

وتبقى في نظرنا، الإجابة التي استعرض فيها الرئيس بن علي جانبا من طفولته وأشار فيها إلى أنّه يدرك جيّدا معنى الفقر لأنّه عانى في صغره من الحرمان، وسار كأغلبيّة أبناء شعبه خلال عقود سابقة، سيرا على الأقدام عدّة كيلومترات تحصيلا للعلم والمعرفة، تبقى وكما أسلفنا سرّ الأسرار التي تمنحنا الإجابة القطعيّة عن سرّ انحياز بن علي للطّبقات الأضعف وانحيازه لأشدّهم حاجة وأضعفهم حالا وقد كانوا كثرا قبل التّغيير وقبل أن تمتدّ لهم يد بن علي لتسحبهم من ظلمة الحاجة إلى نور الرّفاه ولتنحسر هذه الطّبقة إلى 3،8 % من نسبة السكان.

و يكفي أن نتذكر قولا له يفيض وجدانا وعطفا ووعيا وتأكيدا صارما بأنه لن يسمح البتّة بأنّ يظلّ مواطن واحد ضحيّة الفاقة والخصاصة، لنتاكد أنّ بن علي في تماس دائم بمجتمعه، وأنّ المواطنة في فكره تظلّ مفهوما غائما عندما تتجرّد من حقّ العيش الكريم والأمان والاطمئنان.

ولئن كان من خلاصة لهذا الاستنتاج الذي تتعدد في الواقع شواهده فإنّها ببساطة تقول إنّ السّياسة عند بن علي بقدر ما تقوم على الاستشراف السّليم واستنفار مخزون العقلانية فإنها قبل ذلك تستمدّ أبجديّتها ومفرداتها الواقعيّة من قلب كبير، قلب جعل من مسعى حركة التّغيير الأوّل والأخير إنسانيّة الإنسان منطلقا وغاية لكلّ فعل تغييري وتنموي.

هكذا يجسّد الرئيس بن علي تلك المقولة التي ترى أن قمّة فنّ الأداء السياسي تتمثل في أن يجعل الحاكم قلبه في عقله.. ولا شكّ أن التونسيين قد لمسوا بجلاء طيلة عقدين نبضا خفّاقا في كلّ ما يتّخذه رئيسهم من قرارات وإجراء عمليّة تكفل لهم مستلزمات الكرامة ورفعة المكانة بين الأمم؛ الامر الذي يفسر تمسكنا بان يواصل قيادة المسيرة..فالجسد الوطني يرفض ان يتخلى عن قلب عدل ساعته على نبض شعبه.

هناك تعليق واحد:

  1. هذا الموضوع جيد . كان من المفروض ان يتعرض اكثر لمسالة التضامن الوطني ولفكرة التضامن العالمي .

    ردحذف